xyz

قرة عيوننا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

إِلَّا تَنْصُرُوهُ

 

مقدمة

       إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصَفِيّه من خلقه وخليله..

       أشهد أنه أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة، وتركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا هالك، اللهم صلّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد..

       فإن هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة من أعظم الأحداث في التاريخ الإسلامي.. بل هو الحدث الأعظم في تاريخ الأرض بصفة عامّة؛ فيكفي أن دولة الإسلام وُلدت فيه, وانتقل من بعده المسلمون من حال الاستضعاف إلى أن صارت لهم دولة..  

       والحق أن دروس هذه الهجرة لا تحصى ولا تعد ومن الصعب حقيقةً أن نحصيها كاملة، ولكن نأخذ منها بعضها لعل الله عزّ وجلّ ينير لنا بها الطريق.

        ولعل من أبرز النقاط التي يتحدث فيها كثير من الدعاة وكثير من المُحَلِّلين: براعة التخطيط في حادث الهجرة، براعة التخطيط من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

       إلا أننا في هذه السطور سنحاول أن ننطلق معًا من جانب آخر في قصة الهجرة قد يغفله الكثير من الدعاة ومن المحللين، وهذا الجانب يتمثل في النقاط التي لم تنجح نجاحًا تامًّا في تخطيط رسول الله في أمر الهجرة، لنرى كيف أتمّ الله عزّ وجلّ بفضله وجوده وكرمه ومَنِّه على حبيبه صلى الله عليه وسلم وعلينا أجمعين، كيف أتمّ له هذا الأمر مع وجود بعض نقاط الضعف الطبيعية في أي تخطيط بشري.

     ونسأل الله أن يفقهنا في سننه وأن يعلمنا ما ينفعنا.. 

إلا تنصروه..!!

 

       لقد أعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عُدَّة كاملة، وأخذ بكل الأسباب المتاحة، أعد العُدة ليخرج من بيته دون أن يعلم أحد، وأعد العدة ليلتقي بالصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه دون أن يعلم أحد، وأعدّ مسارًا مُغايرًا للمسار الطبيعي الذي يسلكه المسافر من مكة إلى المدينة، وأعدّ الراحلة، وأعدّ الدليل… أعد كل ذلك ببراعة منقطعة النظير في التخطيط والتدبير!!

 

ومع ذلك انظر:

 أولاً: كادت الخطة كلها أن تفشل بعد أن فوجئ صلى الله عليه وسلم بالمشركين يحاصرون منزله.. فبعد أن بدأ المسلمون الهجرة إلى المدينة, وكانت قريش تصبح كل يوم على أخبار المهاجرين الذين يخرجون من مكة.. ومن ثمَّ كان لا بد لها من عمل تعمله ليمنعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم من الذهاب إلى المدينة كما كان متوقعًا.. وبعد مشاورات اتفقوا على خطتهم الخبيثة, وتوجه رهطهم ليحاصر بيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، وهنا سقطت الأسباب، الرسول صلى الله عليه وسلم محصور في داخل البيت، والبيت محاط بالمشركين، هنا يُخرج رب العالمين سبحانه وتعالى رسوله الكريم بمعجزة ظاهرة بَيّنة، بل ويأخذ التراب ويضعه على رءوس المشركين سخرية منهم، وخرج المصطفى صلى الله عليه وسلم بمعجزة رب العالمين.

      ثم اتجه إلى غار ثور وأخذ بكل الأسباب ليتجنب مطاردة المشركين، أو أن يعرفوا طريقه، أو أن يكتشفوا غار ثور، ابتعد صلى الله عليه وسيلم مسافة كبيرة جدًا وارتقى الجبل الصعب ودخل في غار ثور، ويأتي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه بأخبار قريش وما يدبرونه؛ ليوصله للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار، وعامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة؛ ليُعَفّي عليه ليمحو أثار الأقدام، كل الأسباب المادية أخذ بها، ومع كل ذلك اكتشف المشركون أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية، ووصلوا إلى الغار، بل وقفوا على باب الغار، ولكن سبحان الله.. أَبَى الله عزّ وجلّ إلا أن ينصر حبيبه صلى الله عليه وسلم، لم يبق فقط إلا أن ينظروا في داخل غار ثور، قطعوا مسافة طويلة، بذلوا جهدًا عظيمًا، لم يبق إلا دقيقة أو دقيقتين، ثانية أو ثانيتين ويُكتشف الرسول وصاحبه، ولكن الله عزّ وجلّ الذي بيده مقاليد السموات والأرض منعهم من مجرد النظر في داخل الغار، ونجا صلى الله عليه وسلم.

      وأخذ بالأسباب من جديد وعَمّق جنوبًا ثم غربًا ثم أخذ ساحل البحر الأحمر في طريق غير مأهول بدليل محترف، ومع ذلك اكتشفوا أمره للمرة الثالثة، سراقة بن مالك وصل إليه حتى اقترب منه وكاد أن يأخذه هو والصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ ليربح الفدية أو الجائزة التي وضعها المشركون لمن يأتي برسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ولكن هنا تظهر المعجزة الثالثة وتسوخ أقدام الفَرَسْ ولا يستطيع سراقة أن يصل إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وينجو الرسول صلى الله عليه وسلم للمرة الثالثة.

      وكاد أن يقترب من المدينة، ولكن قبل أن يصل اعترضه بُريدة بن الحصيب رضي الله عنه وأرضاه- ساعتها كان من المشركين- جاء على رأس قبيلة أسلم، جاء بعد أن عرف الطريق الذي يسير فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ليأخذه ويرده إلى مكة ويأخذ الفدية مائة ناقة للرسول صلى الله عليه وسلم ومائة ناقة للصديق رضي الله عنه وأرضاه، استطاع بريدة بن الحصيب أن يصل للرسول صلى الله عليه وسلم ويكتشف الخطة للمرة الرابعة، وهنا يدعو الرسولُ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الصعب بريدةَ بن الحصيب ومن معه إلى الإسلام، وبفضل الله عز وجل الذي بين يديه القلوب يقلبها كيف يشاء.. يفتح قلوب هؤلاء لدعوة الإسلام، وينجح معهم صلى الله عليه وسلم في الأمر الذي صعب عليه ثلاثة عشر عامًا كاملة في مكة؛ فلم يؤمن بدعوته الكثير، ومنهم من هو قريب جدًا منه صلى الله عليه وسلم مثل عم الرسول أبي طالب أو أولاد عمه صلى الله عليه وسلم وغيرهم.. ومع ذلك وهنا في هذا المقام، والرجل يأتي بالسلاح ويحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم، و يلمع بريق المال والإبل أمام عينيه، ومع ذلك وضع الله عز وجل في قلبه الإسلام في لحظة واحدة, فآمن هو ومن معه، حادث غريب جدًا، ووصل صلى الله عليه وسلم بسلامة الله وأمنه ورعايته وحفظه إلى المدينة المنورة.

         خلاصة هذه الأمور أن الله عزّ وجلّ ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وناصر دينه، وهذا خلاصة ما ذكر في الآية الوحيدة التي جاءت في كتاب ربنا سبحانه وتعالى تصف الهجرة النبوية، هناك آيات كثيرة جدًا تحدثت عن الهجرة، لكن آية واحدة تحدثت عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بدأها الله سبحانه وتعالى بقوله :

[ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ] {التوبة:40} .

      هذه الآية توضح أن النصر بيد الله عز وجل، وأن الله عز وجل لا يحتاج من المؤمنين لنصرة، ولا يحتاج لمساعدة، حاشا لله، بيده مقاليد السموات والأرض، يقول للشيء كن فيكون، هو الذي نصر نَبِيّه صلى الله عليه وسلم، هو الذي أخرجه من المأزق تلو المأزق حتى وصل إلى المدينة المنورة، واتضح لنا الأمر كما رأينا في أكثر من موضع، لكن هناك رسالة هامة جدًا بداخل هذه الآية: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ] . والنداء للمؤمنين أن ينصروا الحبيب صلى الله عليه وسلم.. وما أحسب أن هذا النداء موجَّه إلى صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم في هذا الحادث بالذات - في الهجرة - نصروه قدر استطاعتهم رضي الله عنهم وأرضاهم, وما قصر منهم واحد، سواء الذين اشتركوا في عملية تسهيل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، أو أولئك الذين استقبلوه في المدينة- الأنصار- رضي الله عنهم وأرضاهم.. كُلٌّ أدّى ما عليه.

        الآية والأمر الذي فيها مُوَجّه لنا، موجّه إلى أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم منذ نزول هذه الآيات وإلى يوم القيامة [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ]. نحن الذين نستفيد بنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.. الله عزّ وجلّ لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، نحن الذين نستفيد، الأمر لنا، الفائدة تعود علينا [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ]. الله عزّ وجلّ نصره بالفعل، وإن تَخَلّى المسلمون عن نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم فإن الله عزّ وجلّ يستبدل بهم غيرهم: يأتي سبحانه وتعالى بقوم آخرين قادرين على نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم،  وقادرين على عِزَّة الإسلام، وعلى رفع راية المسلمين، والتمكين والسيادة والعلو لهذا الدين العظيم: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110} .

       بعد هذه المقدمة لا شك أن الجميع الآن يتساءل عن الآية وعلاقتها بحالنا اليوم، هل نصرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا ؟ هل أدينا ما علينا ؟ هل تسير الأمة في الطريق الذي أراده لها ربها سبحانه وتعالى وأراده الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟

 

لا بد لنا من وقفة

 

       الكل يعلم ما رُسم على صفحات الجرائد الدانمركية والنرويجية، ما حدث في الدانمارك كان منذ حوالي ثلاثة أشهر أو أكثر وحدث في النرويج منذ أيام قليلة، الكل يعلم السباب المباشر الذي وُجّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، القذف الصريح القبيح، وفي معانٍ مخلة بالآداب أصلا، ولا يستقيم أن يوصف بها إنسان عادي، فهذا يعتبر مصيبة في المحاكم، هذه جريمة يعاقب عليها القانون، تسال فيها دماء تقام فيها مظاهرات، وندوات ولقاءات، ومقاطعات، وأمور ضخمة جدًا هائلة يجب أن يفعلها الذي وقع أحد في عرضه بهذه الصورة، فما بالكم إن كان هذا حدث في حق خير البشر وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق أجمعين ؟!!

     ما بالكم لو حدث هذا في حق من يؤمن بنبوته ربع سكان الأرض تقريبًا؟!!

1300 مليون مسلم في الأرض يتبعون هذا النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك تتجرأ صحيفة على نشر مثل هذه الصور القبيحة الإباحية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 هذا أمر شنيع يحتاج منا فعلا إلى وقفة.

          والحدث حقيقةً غريب وعجيب؛ لأنه يصدر من دولة الدانمارك، وهي دولة صغيرة جدًا، قليلة المساحة، قليلة عدد السكان، قليلة القوة العسكرية، دولة لا تشغل من مساحة الأرض إلا 43.000 كيلو متر مربع، يعني تقريبًا ثلثي مساحة سيناء، أو نصف مساحة الإمارات، أو نصف مساحة الأردن!! هي هذه دولة الدانمارك..! سكانها 3.4 مليون نسمة فقط، والمسلمون 1300 مليون نسمة، إمكانياتها العسكرية ضعيفة، ليس لها تاريخ استعماري في الأرض، اللهم منذ مئات السنين فأصولهم قبائل اسمها الفايكنج كانت عبارة عن عصابات، لكن في غضون المائة أو المائة وخمسين سنة الأخيرة فلم يكن لها أي ميول استعمارية، ليس بينها وبين المسلمين تاريخ عداء لا طويل ولا قصير.

      فلماذا لا تكترث دولة بهذه المقومات الضعيفة بأمة حجمها يزيد على المليار، مليار وثلث مليار ربع سكان الأرض، هذا أمر غريب فعلا يحتاج مِنّا إلى وقفة، ولا نريد الوقفات العابرة السريعة؛ فلطالما نظمنا لقاءات وندوات، وشجبنا وندبنا على أحداث مماثلة، ثم بعد ذلك ننسى، لعلنا نتذكر قضية جوانتانمو، والتعذيب للمسلمين الأسارى هناك…

 ونُسيت القضية!

        وسمعنا عن المسلمين في سجن أبي غريب، وما حدث فيه من إباحية مطلقة ضد المسلمين الأسارى من إخواننا في العراق…

 ومرت القضية!

        وسمعنا عن تدنيس المصحف الشريف في جوانتانمو بعد ذلك، وهذا أمر خطير جدًا جدًا…

ومرت القضية!

        فرنسا تتحدث عن الحجاب وتمنعه من مدارسها وبلجيكا كذلك …

ونسي المسلمون!

        ماذا يحدث للمسلمين في الأرض؟؟! لماذا هذا الاستهزاء والاستخفاف بهذا العدد الهائل من البشر؟!

        يبدو أن القضية ليست بالمساحات وليست بالأعداد؛ فالدانمارك دولة صغيرة جدًا لا تُرى على وجه الأرض، ولا تشكِّل أكثر من نقطة صغيرة في خريطة العالم.

         ولا يفعل ذلك أحد مع غير المسلمين، بل لا يفعله سكان الأرض كلهم مع اليهود، مع أن اليهود تعدادهم في الأرض 20 مليون نسمة، كل اليهود في العالم سواء المحتلين لفلسطين أو المقيمين في أمريكا أو في أي مكان آخر، إجمالي اليهود في العالم 20 مليون نسمة، ومع ذلك إذا تحدث إنسان عن اليهود بسوء اتُّهم في أمريكا وفي كل البلاد الغربية وغيرها بمعاداة السامية، وتقام له المحاكم بسرعة، وتؤخذ القرارات فورية، ولا يجرؤ إنسان على التفوه بكلمة في حقهم مع قلة عددهم، ومع كراهية البشر جميعا لهم، سواء النصارى الموجودين في أوروبا، أو في أمريكا، أو في أي مكان كلهم يكرهون اليهود، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يتكلم عنهم! حتى في داخل ألمانيا المشهورة بعدائها لليهود (كنت في حوار مع أحد الألمان في ألمانيا, وأتينا على ذكر اليهود, ولاحظت ما اعترى محدِّثي من التوجس والالتفات حذرًا من المؤاخذة التي قد تنتظره!!)… هناك – إذن - نوع من الرهبة الشديدة تجاه هذه الأمة القليلة جدًا والمكروهة جدًا، وليس هناك – في المقابل – أي قدر من هذه الرهبة تجاه الأمة الضخمة الهائلة.. أمة الإسلام!!

       ومع سعادتي بالصحوة الإسلامية نتيجة هذا السباب الذي رسم في صحف الدانمارك، ومع أن هناك نوعًا من التجاوب والتعاطف على مستوى العالم الإسلامي، والمسلمون يشجعون بعضهم على مقاطعة البضائع الدانمركية، وعلى أخذ موقف إيجابي عبر الرسائل الهاتفية والبريد الإلكتروني…

       إلا أننا نريد أن نقف وقفة ونحلل: ماذا يحدث لأمة الإسلام؟! لكي لا يتكرر هذا في الشهر المقبل من دولة أخرى، والشهر الذي بعده من دولة ثالثة…

        لا بد أن يقف المسلمون وقفة؛ ليعلموا لماذا كل هذا الاستخفاف بهذه الأمة الضخمة الهائلة؟!!

 

حب الدنيا.. وكراهية الموت!!

        من الأشياء الجلية والتي لا تحتاج إلى أي توضيح هي أن الرهبة لنا والمهابة منا نُزِعت من قلوبهم؛ فلا يفكر أحد منهم في حساب العواقب التي تنتج عن الفعل، ما دام ذلك الفعل في حق المسلمين.

         ما دام ذلك الفعل في حق المسلمين فلا مشكلة؛ فيقدم على أفعال ليست حتى من الحكمة السياسية، فلا يعتقد أحد أن هذه الرسومات نفعتهم، بل بالعكس قد ضرتهم، فلماذا لا يحسب لها حسابًا؟

         أجد ذلك واضحًا في حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ونحن بصدد ذكرى هجرته, ونتذكر أحداثه وأفعاله صلى الله عليه وسلم؛ لنتخذ منها القدوة والمثل، ذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه, ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه كلمة مفزعة.. " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ".  وهذا يعني أنه سيأتي زمان على أمة الإسلام تَتَدَاعى فيه الأمم (أي يدعو بعضها بعضًا) لالتهام أمة الإسلام وانتقاصها.. تأتي الأمة لتأكل، وتدعو غيرها ليأكل معها في أمة الإسلام!!.

      وعندما سمع الصحابة هذا الكلام أخذوه مأخذ الجد، وفَزِعوا رضي الله عنهم وأرضاهم: " فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟"… لابد أننا سنكون قليلين جدًا لدرجة أن كل أمم الأرض تأكل فينا، ففجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم.. " قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ.." (1300 مليون!!)، ثم يقول كلمة صعبة جدًّا: "وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ"!!

         ماذا يعني صلى الله عليه وسلم بغثاء السيل؟ جاء في عَوْن المعبود في شرح سنن أبي داود: الغثاء: هو الوَسَخ الذي يعلو السيل، فإذا شرَّق السيل أو غرّب اتبعه الوسخ. مسلوب الإرادة!! وتشبيه المسلمين بهذا الأمر صعب جدًا وثقيل, ولولا أنه كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ما استطاعت النفس أن تذكره، ولكنه يتكلم صلى الله عليه وسلم عن حقيقة ستحدث، ينبِّه المسلمين إليها: "..وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل!!".. ثم انظر تفسير ما يحدث: يقول صلى الله عليه وسلم: "وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ.."  فالله عز وجل هو الذي ينزع المهابة منا من قلوب أعدائنا!! هو الذي يجرئهم علينا!!.. "وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟!".. ما هذا المرض الخطير الذي أدّى إلى ذهاب الهَيْبة وذهاب الرَّهْبة من هذه الأمة, وإلقاء الجبن والخَوَر والضعف في قلوب المسلمين؟!

"قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ."

        إذا أحب المسلمون دنياهم أكثر من آخرتهم.. إذا كرهوا الموت في سبيل الله.. لا بد أن تكون هذه هي العاقبة، يسخر منهم كل صغير وكبير، يستهزئ بهم أهل المشرق والمغرب جميعًا!!

 لماذا؟!

        لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي نزع المهابة مِنّا من قلوب أعدائنا؛ فلقد أحب المسلمون الدنيا وكرهوا الموت في سبيل الله تعالى, فلا بد أن تكون هذه هي النتيجة.

مهما كان عدد الأمة ، ومهما كان أفراد الأمة، ولو حدث ذلك في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم لأصيب المسلمون، كما وضح الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، حُبّ الدنيا وكراهية الموت يُحدث ذلك مع أي جيش حتى لو كان هذا الجيش هو جيش الرسول صلى الله عليه وسلم.

وراجع غزوة أحد:

        ما الذي حدث في أحد؟ في بادئ المعركة انتصار ساحق للمسلمين، وتحقق وعد الله لهذه الأمة: [وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ] {آل عمران:152} . هذا في بداية المعركة، ثم مع مرور الوقت دخلت الدنيا في قلوب بعض المسلمين، ولما رأوا المشركين يلقون بدنياهم على الأرض تكالب بعض المسلمين لجمع دنيا المشركين من على الأرض، وقالوا: الغنيمة، الغنيمة. ذكرهم قائدهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وأرضاه (قائد الرماة) فما تذكروا!!. وتركوا أماكنهم، وكانت المأساة- كما تعلمون- أو كانت المصيبة كما سماها ربنا سبحانه وتعالى.

        ثم ذكر ربنا سبحانه وتعالى أصل المشكلة.. المرض: [مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ] {آل عمران:152} .

        لما تمَسّك المسلمون في أول غزوة أحد بكتاب ربهم, ورغبوا في الجنة والجهاد في سبيل الله, وأَحَبّوا الموت في سبيل الله. في تلك اللحظات أتمّ الله عزّ وجلّ لهم النصر، بل قتلوا حملة الراية من جيش المشركين الواحد تلو الآخر, وكانوا من بني عبد الدار وهم أقوى الفرسان صلابة!! قتلهم المسلمون الواحد تلو الآخر إلى أن وصل عدد القتلى من حملة راية للمشركين إلى أحد عشر قتيلاً!!

لماذا ؟ لأن الدنيا لم يكن لها مكان في القلوب..

        ولكن.. عندما تَبَدّل الأمر، ودخلت الدنيا في قلوب المسلمين رفع راية المشركين امرأة!! فلم يستطع رجل مسلم واحد أن يقتلها.. سبحان الله !!

       في سنن أبي داود يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (العينة: نوع من أنواع الربا), وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ (كلها أصناف من متاع الدنيا).. وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ.." نتيجة لتعلقكم بالدنيا.. إذا انغمسنا في دنيانا في وقت تَعَيُّنِ الجهاد في سبيل الله.. فما النتيجة؟؟

"سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".

وتسليط الذل على الأمة في منتهى الوضوح!!

·   الذل أن ترى الرسومات أو الكاريكاتير ترسم سخرية وإساءة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على صفحات الجرائد.. ويصبح كل همِّ المسلمين أن تُصدر الجريدة اعتذارًا فقط.. وينتهي الموضوع عند ذلك!!

·       الذل أن تُحتل البلاد الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، ولا يتحرك أحد..

·   الذل أن يُقتل المسلمون هنا وهناك، لا أقول بالمئات ولا بالآلاف ولا عشرات الآلاف بل بالملايين، ولا يتحرك أحد..

·       الذل أن يُدنّس القرآن الكريم، ويُطعن في الشريعة المطهرة، ويتجرأ عليها كل صغير وكبير، ولا يتحرك أحد..

 كل هذا والله منتهى الذل!!..

           ولكي يُرفع هذا الذل لا بد أن يعود المسلمون إلى دينهم كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف.

هذا واضح، ليس في شرعنا مبهمات أو ألغاز: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا.. لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ. (ابن ماجة).

 

         وسيتكرر مع المسلمين هذا الأمر كثيرًا ما لم يقف المسلمون وقفة مع المرض، بدلاً من الانشغال بالعَرَض انشغالاً كبيرًا، ونترك المرض.

 ما معنى أن ننشغل بالعَرَض؟

         ما يحدث على صفحات الجرائد في الدانمارك والنرويج، أو ما حدث في جوانتانامو، أو في سجن أبي غريب، أو غير ذلك من الأمور، ما هو إلا عَرَض لمَرَض، وليس هو المرض بذاته..

      المرض هو (حب الدنيا وكراهية الموت) كما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهناك أمراض أخرى كثيرة سأعرض لها إن شاء الله.

لكن هذا هو المرض الضخم، وله أعراض، ومنها هذا العرض: (أن تتحدث صفحات الجرائد عن المسلمين بهذه الصورة).. ولا أنكر على المسلمين أن يرسلوا الفاكسات والرسائل الإلكترونية للسفارة الدانماركية ولوزارة الخارجية الدانماركية وللصحيفة نفسها أومقاطعة البضائع الدانماركية، فكل هذا جميل جدًا، بل نحن مأمورون بهذا الأمر، نحن مأمورون بأن ننافح بكل ما نستطيع..

          لكن لا بد من وقفة للتحليل!.. لماذا يحدث معنا هذا الأمر؟! لا بدَّ أن نتساءل.. حتى لا يتكرر معنا ثانية ولا ثالثة وعاشرةً… وطالما ظل المرض دون علاج.. طالما ظلت الدنيا هي الحاكمة للقلوب فستظل وحدها محور الاهتمام والانفعال والإيجابية..

والواقع خير شاهد..

         فنحن نستطيع بسهولة أن نجمع 80 ألف مسلم في الاستاد من أجل مشاهدة مباراة (مصيرية!!) في كرة القدم.. لكن قد يتعذر على المسلمين أن يجمعوا مثل هذا العدد للوقوف أمام سفارة الدنمارك مثلاً، أو مفوضية الاتحاد الأوروبي، أو جامعة الدول العربية… تعبيرًا عن رفض المسلمين وغضبهم لما مسَّ نبيهم!! مثل هذه الظواهر نتاج حتميٌّ للمرض الأهم في أمتنا: (حب الدنيا وكراهية الموت).. فالمسلمون لا يعيشون حياة الجدية التي أمرنا بها ربنا سبحانه وتعالى، فينغمسون - من ثمَّ - في أشياء تافهة لا ينبني عليها كثير ولا قليل من العمل أو الفائدة.. بل أحيانًا نخسر منها كثيرًا.. ولا يهتم المسلمون بالأمور الجسام العظام التي تمر بأمتنا الحبيبة. وهذا – ولا شك - مرض خطير..

 

جهل الغرب بالإسلام:

         من الأمراض أيضًا التي سببت هذا الأمر جهل الغرب (والعالم بصفة عامة) بالإسلام والمسلمين.. من أين يعرفون الإسلام؟ من أين تعلَّم الدانماركيون والنرويجيون وغيرهم الإسلام؟ ما هي خلفياتهم عن هذا الدين, وعن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف تكوَّنت؟! لقد تكوَّنت من الإعلام الغربي!! و50 % من وسائل الإعلام الغربي على مستوى العالم مملوكة لليهود، ولهم مشاركات ضخمة فيما تبقى منها..

         وهذا جهد بذله اليهود في عقود وعهود, ولم يأت في لحظة: فاليهود منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما فكروا في إقامة دولة في فلسطين الحبيبة (ندعو الله أن يحررها وأن يثبت إخواننا هناك) أول شيء فعلوه هو إنشاء جريدة (جوش كرانكل) في لندن, وما كانوا في ذلك الوقت يملكون غيرها, إلا أنهم لم ييئسوا؛ فهم يعرفون قوة الإعلام وأهميته.

       وأنشئوا بنكًا واحدًا في ذلك الوقت أيضًا؛ لأنهم يعرفون قوة الاقتصاد أيضًا.. ومن ثَمَّ نجحوا على مدار أعوام وأعوام في تسخير هذين السلاحين لخدمة الهدف الذي أرادوه.. هذا الكيد بدأ منذ أكثر من مائة عام وقد آتى ثماره الآن كبيرة وكثيرة، فالطريق طويل، لكن له خطوات معروفة معلومة.

         من أين يتعلم الغرب الإسلام؟ إنه يتعلمه من الإعلام اليهودي، والإعلام النصراني، ويتعلمه من كتابات الغربيين العلمانيين!!

         أين كتابات المسلمين عن الإسلام، بلغات القوم: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ.. ] {إبراهيم:4} .

         أخشى على المسلمين أن يصيبهم الحَوَل، ولا أقصد الحول المرضي الذي يصيب الأبصار.. بل الحول الفكري الذي يصيب العقول.. فنحن نؤلف كتبًا ونطلق أقمارًا وننشئ مواقع على الإنترنت… كلها أو الغالبية العظمى منها باللغة العربية وليس بلغة القوم، أخشى على المسلمين أن يعيشوا هذا الحول مع قضياهم الماسة وأهمها تعليم الإسلام لغيرنا.

         إن الشعب الدانماركي ليس شعبًا سيئًا (ولا يتعجب أحد مما أقول).. على الرغم من أن 80 % من هذا الشعب قد صوتوا لصالح عدم الاعتذار للمسلمين!

         لا بد أن نعرف أولاً: من هم المسلمون في عرف الشعب الدانماركي؟؟. لا بد أن تجلس مكانهم وتسمع ما يقال لهم لتفهم موقفهم.. هب أننا أجرينا تصويتا مشابها في بلادنا من أجل الاعتذار لليهود عن خطأ في حقهم، هل سيوافق أحد على هذا؟ سنقول: هذا دفاع عن حقوقنا من وجهة نظرنا، فوجهة نظرهم هم أيضًا مخالفة تمامًا لما عندنا

         هذا الشعب الدنماركي (الذي شجَّع الإساءة لرسولنا صلى الله عليه وسلم, ورفض الاعتذار عنها) يحقق سنويًّا أعلى معدلات الشفافية ومكافحة الفساد, وراجع تقارير الأمم المتحدة عن معدلات الشفافية في العالم على مدار السنوات الخمس الأخيرة.. تجد أن الدنمارك تحقق المركز الأول وربما الثاني أو الثالث على الأكثر!!

        مثل هذا الكلام ينطبق على النرويج.. وكذلك السويد (التي قد تدخل قريبًا في سباق الإساءة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم لتداخلها مع الدنمارك والنرويج)..

        إن تلك  المنطقة من العالم من أكثر البقاع تميزًا على مستوى التقدم والنظام والنظافة والعطاء للإنسانية بشكل عام.. ولو علم أهل تلك البلاد بحقائق الإسلام فوالله لترَيَنَّ منهم العجب!!

        كنت قريبًا في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت لأصلي الفجر في أحد المساجد هناك، فوجدت رجلا يبكي في ركن من أركان المسجد، وعلمت بعد ذلك أنه من سيراليون وأنه حديث الإسلام (أسلم منذ ستة أو سبعة أشهر) حين سألته: لماذا تبكي؟ قال : أبكي على والدي.. فلقد مات أبوه منذ أربع سنوات.. يقول: كان أبي رجلا حكيمًا، ووالله لو كان سمع عن الإسلام ما كان يمنعه عن الإسلام شيء. يقول: لو ذهبت إلى قبره وتحدثت عن الإسلام أعتقد أنه سوف يؤمن في قبره!!!.

      لكن للأسف لم يسمع عن الإسلام، لم تصل إليه هذه الرسالة الجميلة، ولم يعرِّفه أحد الإسلام من مصادره الصحيحة، مَن سوف يحمل ذنب هذا الرجل؟!.. إن عدد المسلمين في العالم (1300 مليون مسلم)، إنهم ربع سكان الأرض!! لو كلم واحد من المسلمين أربعة فقط لوصلت رسالة المسلمين إلى الأرض جميعًا!!.

نعم ليس كل المسلمين علماء، ولكن ليس كل الآخرين أيضًا علماء. إن هناك أناسًا لا يعرفون عن الإسلام شيئًا..

         لقد ذهب أحد إخواني إلى  الصين، وكان لا يتقن الإنجليزية, فضلاً عن الصينية، والتقى بأحد الصينيين هناك، والصينيون عامة لا يتقنون أيضًا الإنجليزية، فكلاهما لا يعلم الإنجليزية, كما أن هذا الأخ ليس من علماء المسلمين بل هو إنسان بسيط جدًا.. حتى إنه لم يتم تعليمه الجامعي بعد.. يقول: تحدثت مع الرجل الصينيِّ عن الإسلام بلغتي الضعيفة ولغته الضعيفة، فانبهر بالإسلام!! وطلب مني كتبًا بلغته.. كان يريد أن يقرأ عن هذا الدين، لأنه لا يعرف أي شيء عن هذا الدين العظيم، لم يكن يعرف من الذي خلق هذا الكون ؟ إلى أين يسير ؟ ما المصير الذي ينتهي إليه بعد موته؟ إذا ظلمه أحد ولم يأخذ حقه في الدنيا.. هل هناك من فرصة أخرى ليأخذ حقه؟؟… تراكمات ضخمة جدًا داخل كل إنسان على وجه الأرض، حلها فقط في الإسلام بمجرد أن يصل إليهم.

       فالإسلام لم يصل إلى الدانمارك ولا النرويج ولا غيرهما بالصورة الصحيحة، وهذا واجب المسلمين.

 

حالة العالم الإسلامي:

      من أين أيضًَا يعرف الغرب الإسلام ؟ يعرفونه من شيء يحزنني كثيرًا.. من مشاهداتهم في بلاد المسلمين، من مشاهدات السفراء والسياح إذا جاءوا إلى بلادنا، وهذا يسحبنا إلى نقطة ثالثة، أو إلى مرض ثالث.. السائح في بلاد المسلمين.. ماذا سيرى؟ ماذا سيرى إذا جاء سفير من بلاد الغرب؟؟!

      الإجابة واضحة، رد فعل الغرب تجاه المسلمين، وتعامل الغرب مع المسلمين.. ما هو إلا انعكاس لما يرونه في بلاد المسلمين..

الحالة العلمية:

      هناك تخلف علمي ملحوظ في العالم الإسلامي؛ إننا نستورد كل شيء (حتى سجادة الصلاة!!) من الصين، والمنبه الذي يعطي صوت الآذان من الصين… وغير ذلك.. حتى يصل الأمر إلى أننا نستورد اللعب التافهة البلاستيكية التي لا تقدم ولا تؤخر.. نستوردها من الصين!! نستورد الالكترونيات والملابس وغير ذلك كله.. من الصين، أو من غيرها!!

      حتى يصل الأمر إلى استيراد السلاح من خارج بلاد المسلمين!! كيف تدافع عن نفسك بسلاح عدوك؟! هذا أمر لا يقبل عقلاً أصلا، فضلا على أنه لا يقبل شرعًا.

       العالم الإسلامي ينفق انفاقا ضئيلا جدًا على قضايا العلم والتعليم بالمقارنة ببقية دول العالم.. مصر (على سبيل المثال) تنفق 0.2 % من دخلها القومي على العلم!!

         أما إسرائيل فتنفق 2.4 % على العلم أي: اثني عشر ضعفًا لما تنفقه مصر!! وقس على ذلك كل العالم الإسلامي!.

         الجامعات الإسلامية لم ترتق واحدة  منها لأن تكون في المائة جامعة الأولى على العالم!!

        الذي يزور البلاد الإسلامية من الغرب سيجد أن كل شيء فيها معتمد عليه هو، (معتمد على الغرب)، معتمد أحيانًا حتى على من يحتلوننا.

الحالة الأخلاقية:

      أما إذا نظر زائرنا إلى أوضاعنا الأخلاقية (النظام والنظافة والرشوة والاختلاس وقضايا الفساد…) فسيرى أمورًا شنيعة في العالم الإسلامي.. العالم الإسلامي كله (باستثناء ماليزيا) سقط في اختبار الأخلاق في تقرير الشفافية سنة 2003!!.. كل العالم الإسلامي حصل على أقل من (5 من 10).. الدانمارك حصلت على (10 من 10), تونس: (5 من 10), ماليزيا: (5.3 من 10)!!  سوى ذلك فالعالم الإسلامي كله تحت (5 من 10)!  مصر مثلاً:( 3.4). شيء خطير جدًا، لا بد من وقفة.. فهذا الفساد، وهذا الانحلال، وهذا التميع الشديد الموجود في العالم الإسلامي هو الذي يجرئ غيرنا علينا.

       إننا لا نريد حلاً جزئيًّا سريعًا لقضية الإساءة لحبيبنا صلى الله عليه وسلم وينتهي الأمر عند ذلك، نحن نحتاج إلى منهج للحياة، يمكننا من إعادة الإصلاح في أمتنا، حتى نصل إلى مكانة تُرهب بين الناس.

الحالة السياسية:

       لقد رُبِّي المسلمون في كل مكان على قبول الذل والرضا بأنظمة الحكم الديكتاتورية, فإذا أتى بعد ذلك من يتعرض لدين المسلمين أو نبيهم أو قرآنهم بسوء فلن يغضب أحد؛ فقد اعتاد الجميع تلقي الإهانة دون غضب!!

       وعندما يرى الغرب ذلك سيتساءل: هل نكون نحن أحَنَّ على المسلمين من بني جلدتهم.. ممن يحكمونهم؟؟!

 

ظهور من يدعو إلى الإسلام بالعنف!!

           لا ينكر أحد الآثار السلبية البالغة التي تنتج عن أعمال العنف والقتل والتخريب التي تصدر من بعض المسلمين.. لا شك أن أحداث (11 سبتمبر) وغيرها قد أثرت سلبًا على المسلمين.. مع أن هذا ليس منهجنا أصلاً، سواء حدث ذلك من مسلمين أو غير مسلمين حسب التحليلات المختلفة.. لكن بعض المسلمين افتخروا بهذه الأفعال، ونحن في ديننا لا نقتل المدنيين، فلماذا تفتخر بشيء لا تفعله؟! بل تنكره شريعتك؟!!

           لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول للجيوش الخارجة إلى حرب فارس، هم سوف يحاربون ومع ذلك يقول لهم: اتقوا الله في الفلاحين (المدنيين الذين لا يحاربون).

           بل كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه (من قبله) يقول لجنوده الفاتحين: "..وستجدون أقوامًا قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع، فاتركوهم وما فرغوا أنفسهم". فهؤلاء في الصوامع ليعبدوا آلهة غير الله عزّ وجلّ ومع ذلك أمر بتركهم!

           هذه الدعاية وهذا الفكر عن عنف الإسلام انتشر في الأرض، ولا شك أنه أساء للإسلام والمسلمين، ودليل ذلك أنك ترى عددا من هذه الصور التي نشرت  في الصحيفة الدانماركية يتحدث عن عنف الرسول صلى الله عليه وسلم (تعديًا عليه), لكن هذا الانطباع جاء إليهم من بعض المسلمين، أظهرت بعض الرسوم الرسول صلى الله عليه وسلم وفي رأسه العمامة يأخذ منها الصورايخ والقنابل وما إلى ذلك، وعلى وجهه علامات الإرهاب والعنف والغلظة، ويحمل سيفًا ويطعن كذا وكذا، وكلنا نعلم من أين أتاهم هذا التصوير، ووالله لو عرفوه صلى الله عليه وسلم كما نعرفه لأحبوه كما نحبه، لكنهم لا يعرفونه صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفون إلا ما يرونه من بعض المسلمين الآن.

     ولو كانت هذه الأحداث في ميدان القتال ما تكلم أحد، لأن طبيعة الحروب أن يقاتل الناس بعضهم بعضًا، وأن يقتل الناس بعضهم بعضًا، ولكن أن يُقتل المدنيون فهذا أمر لا تقره شريعة الإسلام، ومع ذلك فهو يحدث للأسف الشديد، بل ويفتخر به كثير من المسلمين، ونحن منه براء.

 

ضعف الهيئات الإسلامية:

         نلاحظ أيضًا عدم وجود هيئات إسلامية قوية جامعة تأخذ على يد من تكلم في حق الإسلام والمسلمين؛ فترى ردودًا هزيلة جدًا من بعض الهيئات الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي، حتى يرد بعضهم على السفير الدنماركي بأننا لا يجوز أن نَسُب الأموات!! (يتحدث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم!!)، ويكون هذا منتهى الحكمة في الرد في تخيله، لا شك أن وجود مثل هذه الصورة الهشة في الرد يشجع الآخرين على زيادة السخرية، وزيادة الإساءة لأمة الإسلام والمسلمين.

         هذه أمراض مزمنة مستوطنة في داخل الأمة، وسيتكرر ما أغضبنا كثيرًا ما لم يقف المسلمون وقفة مع أنفسهم، لا نريد مهدئات للحرارة، ولا نريد حلولا متشنجة سريعة عابرة تنتهي في لحظة أو لحظتين، نريد قيامًا لهذه الأمة، نريد ميلادًا لهذه الأمة كما ولدت في حادث الهجرة، وهذا لن يكون إلا على أساس صحيح.



الخروج من الأزمة

        لا بد للمسلمين أن يحيوا حياة جادة، فيها قليل من الهزل، والهزل المباح فقط، لا الهزل الذي يخرج عن منهج الإسلام.. نعم لا بد أن تكون الحياة فيها شيء من الترفيه، لكن لا يكون عموم الحياة ترفيهًا أو خروجًا عن المناهج الإسلامية.. ثم نتذكر ديننا عندما نُطعن فيه بشدة.

        نريد حياة على منهج الله عزّ وجلّ، وعلى منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. نتجنب المعاصي, ونأتي من الخير ما استطعنا، ونفكر في الدنيا بقياسها إلى الآخرة..

       إننا نقوم بالكثير والكثير من التخطيطات لأمر الدنيا، نريد تخطيطًا لأمر الآخرة.. روى الترمذي عن المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَاذَا يَرْجِعُ ".. تأمل القطرات التي تخرج مع إصبعك من اليم.. هذه هي الدنيا!! واليم الواسع.. هذه هي الآخرة!! على قدر هذه المقارنة اعمل للآخرة، لا أقول اترك الدنيا تمامًا، ولكن اعمل فيها كمَعْبر للآخرة، وخذ منها لآخرتك.

         أمرنا الله عزّ وجلّ أن نعمِّر الأرض، وأن نصلح في الأرض، وأن نستخرج ما في باطن الأرض، وأن نعز أنفسنا في الأرض، وأن نرفع رأسنا في الأرض، كل هذا في الأرض، لكن عينيك على الآخرة.. إن وصل الأمر إلى أن أفقد حياتي في سبيل أن أكون في الجنة يوم القيامة أنفقها ببساطة؛ لأنها في سبيل الله.. حب الدنيا وكراهية الموت هو أخطر مرض؛ لذلك نرى خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه عندما أراد أن يصف جيشه الذي سيغزو به فارس أرسل رسالة قصيرة جدًا تعبر عن طبيعة الجيش، أرسل رسالة إلى هرمز ملك الأُبلة أولى محطات فارس.. وفارس دولة تقتسم الأرض مع الرومان في ذلك الوقت, وجيوشها أكثر من مليوني مقاتل!! وخالد رضي الله عنه ذاهب لحربهم ومعه (18 ألفًا) فقط، لكن يعلم أنه سينتصر لأن لديه مقومات الجيش المنصور، ما هي تلك المقومات؟ قال لهرمز ملك الأُبلة: "أسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك ولقومك الجزية، وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة". الجيش الذي يحب الموت أكثر من الحياة، هذا جيش منصور، الجيش المتعلق بالحياة إلى آخر لحظة، أي حياة أيا كانت ذليلة رخيصة تعيسة، هذا جيش لا بد أن يُهزم مهما كان عدده ومهما كانت عُدته، ومهما كانت إمكانياته، هذه سنن وثوابت.

 

 الدور المطلوب:

·       نريد أن نحيا حياة جادة على كتاب الله عزّ وجلّ، وعلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، عيوننا على الآخرة، رغبتنا الأكيدة وأمنيتنا العظمى أن نموت في سبيل الله، أن يقبلنا الله عز وجل شهداء [وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ] {آل عمران:140} . والله إذا طلبتم الموت وُهبت لكم الحياة، هذه قواعد ثوابت ومتكررة في التاريخ كثيرًا.

·        نريد إصلاحًا علميًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا في حياتنا قبل أن نطالب به الغير.. إن الغرب لا يصدقنا حين نتحدث أن الإسلام يأمر بالعلم ويأمر بالأخلاق الحميدة ويأمر بالإصلاح بين الناس ويأمر بكذا وكذا… لأنهم يروننا دائمًا غير ذلك؛ فإما أننا نكذب، وإما أن ديننا دين نظري لا يستطيع أن يغيِّر الناس.. فيفتن غير المسلمين بنا!.. فاتقوا الله في غير المسلمين: [رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا] {الممتحنة:5} . المسلمون في حالهم هذه يفتنون غيرهم، ينظر غير المسلمين إلى حال المسلمين فيجدون أنه من المستحيل لهذه الأمة بهذه الصورة أن تكون على الحق، أو على عقيدة سليمة.. وإلا كانت قد رُفعت في الأرض، وأعز الله مكانها..

         لا أقبل أبدًا من أخ من الملتزمين أو من المسلمين المتحمسين لهذا الدين أن يخرج من كليته بتقدير هزيل بينما يحتل المراكز الأولى علمانيون، وقد يحتلها غير مسلمين..

         لا أقبل أن يخرج الطالب من الكلية، وينقطع عن العلم بانتهاء الكلية. طريق العلم طويل جدًا، فيه إبداع وإنتاج، وفيه تغيير في الأرض، لا بد أن ينقلب المسلمون من كونهم تابعين لغيرهم في القضايا العلمية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية وغيرها… إلى كونهم قادة لغيرهم، هذه هي المكانة التي أرادها الله عزّ وجلّ لهذه الأمة: "لَقَدِ ابْتَعَثَنَا اللَّهُ لِنُخْرِجَ الْعِبَادَ (كُلَّ الْعِبَادِ) مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). هذه مهمتنا.. من يحمل كلمة الله عز وجل إلى الأرض إن تخلى عنها المسلمون؟ إنها أمانة ثقيلة جدًا في أعناقنا؛ فهم يُفتنون عن الحق بحالنا..

        كلما أصلحت شيئا في كليتك، أو في مدرستك، أو مكان عملك، أو في بيتك أو في شارعك أو في مسجدك… اعلم أنك ترفع من قدر الأمة الإسلامية، تدريجيًا إلى أن تصل إلى درجة يرهبها الكثير والقليل في الأرض.

·        الأمر الثالث المهم والمطلوب منا أن ننشر الإسلام الصحيح في كل مكان.. نحتاج إلى إنشاء  قنوات فضائية، فبدلا من أن ننشئ قنوات فضائية كثيرة تتكلم في نفس الموضوع.. في نفس البلد.. بنفس اللغة..!! نريد قناة فضائية تتكلم الإنجليزية، وقناة فضائية تتكلم الفرنسية، وقناة تتكلم بالدانماركية، وقناة تتكلم بالعبرية، وبكل لغة من لغات الأرض، نريد أن نوصل ديننا صحيحا لكل فرد على الأرض بلغته، بطريقتهم بلغتهم.. حتى يعلموا الإسلام الصحيح من مصادره.  

          نحتاج مواقع إنترنت تنشَأ لهذا الأمر، وبلغات مختلفة، فالإنجليزية أولى اللغات انتشارا في العالم على الإنترنت، والصينية هي اللغة الثانية, ثم الأسبانية، ثم اليابانية… وتأتي اللغة العربية في المرتبة الثانية عشرة في ترتيب أوسع اللغات انتشارًا على الإنترنت.. فإذا كان كل تركيزنا على اللغة العربية فسنخاطب فئة قليلة نسبيًّا ناطقة باللغة العربية في العالم؛ فهناك الكثير من أهل الأرض لا يتكلمون اللغة العربية حتى من أبناء الإسلام.. الناطقون بالعربية في العالم الإسلامي 250 مليونًا أو 300 مليون على الأكثر، أما المسلمون فهم مليار وثلث المليار، من يعلم الناس الإسلام من المسلمين وغير المسلمين؟ محتاجون أن نُعلّم الناس الإسلام..

·       رابعًا: نحتاج أن نَفْهم إسلامنا فهمًا متوازنًا؛ فمن أمراض الأمة الآن ظهور اتجاه كبير جدًا (حكومي في معظمه) للحديث فقط عن سماحة الإسلام، وعن رقة الإسلام، وعن رحمة الإسلام… وهذا كله جميل جدًا، لكن لا بد أن يتوازن الحديث عن الرحمة والسماحة مع الحديث عن قوة الإسلام وعزة الإسلام وسيادة الإسلام ومهابة الإسلام… وراجع سيرة حبيبنا صلى الله عليه وسلم لترى رد فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم تجاه بعض الحوادث في السيرة النبوية:

1-             سبّ كعب بن الأشرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكلم عن نساء الصحابة رضي الله عنهن، ماذا كان رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الجريمة؟ قال: من لي بكعب بن الأشرف؟! لا مكان هنا للتسامح؛ لقد ارتكب خطأً ضخما في حق الأمة الإسلامية جميعًا، فتخرج سريَّة لقتل كعب بن الأشرف، وتنجح السريَّة في ذلك، ويباركها المصطفى صلى الله عليه وسلم.

2-              ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة قال لأهلها: اذهبوا فأنتم الطلقاء بمنتهى الرحمة والسماحة.. لكنه استثنى أناسًا سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، فقال: اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة. وكان منهم اثنتان من النساء.. كانتا مطربتين تتغنيان بهجاء الرسول عليه الصلاة والسلام، وبسبِّ الرسول عليه الصلاة والسلام.

3-             أبو عَزّة الجُمحي عندما أخذه المسلمون في غزوة بدر أسيرًا، أخذ يتقرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويستعطفه لضعفه واحتياج بناته إليه… فأطلقه الرسول عليه الصلاة والسلام رحمة به، على ألا يقاتله بعد ذلك ولا يُعين على قتاله، وأخذ منه وعدًا على ذلك.. وفي غزوة أحد خرج أبو عزة الجمحي مع المشركين يحارب المسلمين مرة ثانية ونكث بوعده، وسبحان الله!! لقد كان الأسير الوحيد من المشركين في غزوة أحد، فذهب للرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: كثير العيال وفقير.. ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بقتله وقال: لا أتركك تمسح عارضيك في الكعبة وتقول: سخرت بمحمد مرتين، وأمر به فقُتل.

 

        هذه صورة للإسلام لا بد أن توضع مع الصورة الأخرى، لا أقول إن هذا كل الإسلام، ولكن لا أقول أيضًا إن ذلك كل الإسلام، لا بد أن توضع الصورة متوازنة، الرحمة في مكان الرحمة، والعزة في مكان العزة.. التسامح في مكان التسامح، والأخذ بثأر الأمة الإسلامية في مكانه… هكذا يكون التوازن.

·       خامسًا: أنصح الجميع بدراسة سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، ودراسة تاريخ الأمة الإسلامية، فهي من النقاط المهمة جدًا؛ لأن هذا الأمر مثلاً تكرر كثيرًا في التاريخ، وكم طعن في الإسلام قبل ذلك.. لا بد أن ندرس كيف قام المسلمون من كبواتهم السابقة؟ لا بد أن نستفيد من تجارب السابقين.. نريد أن نأخذ من التجارب العملية الواقعية دروسًا نافعة؛ حتى نستطيع أن نغيِّر على بصيرة، وأن نسلك طريق الصالحين من أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

·       سادسًا: نريد أيضًا التواصل مع المسلمين الموجودين في أي مكان في العالم، نحن نحتاج لعمل شبكة قوية من المسلمين، نحتاج إلى وحدة في الصف.. عندما يرى أهل الغرب المسلمين متفرقين مشتتين فإنهم يستهينون جدًا بقدْرنا، ويعلمون أنهم إذا فعلوا ضدنا شيئًا فلن يجتمع المسلمون على رفضه، أو على معارضته، لأنهم- أي المسلمون- لا يجتمعون في قضاياهم الماسة، فلماذا يجتمعون في هذه القضية؟ نحن محتاجون على مستوى الشعوب وعلى مستوى الهيئات الخاصة والعامة قدر المستطاع أن نوجد شبكة قوية من الاتصالات بين المسلمين وبعضهم.. لا بد أن ننبذ الخلاف والفرقة، ونوحد الصف قدر ما نستطيع، ونتواصل.. ليس فقط مع المسلمين في مصر، ولكن مع المسلمين في كل بلاد العالم، وخاصة المسلمين في بلاد العالم الغربي والشرقي غير الإسلامي. فالجاليات الإسلامية في جميع أنحاء العالم في أشد الحاجة لهذا التواصل؛ لأنها تنظر لنفسها على أنها قليلة، خذ مثلاً الجالية الإسلامية في الدنمارك يتراوح عدد أبنائها (من 180 إلى 200 ألف نسمة) وفي بعض التقديرات: 160 ألف فقط.. أي حوالي 3% من السكان!! فهؤلاء إذا فقدوا الإحساس بالتواصل مع أمة الإسلام سيشعرون أنهم قلة لا عون لهم من المسلمين، فيثير ذلك الضعف في قلوبهم.

·       سابعًا: نحتاج أيضا إلى هيئات ترصد الأحداث وقت حدوثها؛ فالصحيفة الدانماركية نشرت هذا الكلام في (30 سبتمبر 2005).. بينما لاحظ المسلمون هذا، وأخذوا في التحرُّك بعد أكثر من ثلاثة شهور، هذا وقت طويل جدًا!! لا بد أن تكون لنا هيئات ترصد ذلك بشكل علمي مدروس – وفي حينه - سواء من أهل الصحافة أو من أهل الخبرة في هذا المجال.. حتى نتحرك ونرد بسرعة قبل أن تموت القضايا.

·       ثامنًا: لا بد أيضًا من إبراز المواقف المشرفة لرفع الروح المعنوية عند المسلمين؛ ففي خضم تلك الغضبة الإسلامية العارمة لا شك أن هناك العديد من المواقف المشرفة التي تستحق الإعلاء والإشادة خلال هذه الأزمة:

1.   التفاعل الإلكتروني القوي: استقبل الجميع الرسائل على الهواتف المحمولة، أو على البريد الإلكتروني تدعو إلى مقاطعة البضائع الدانماركية, وإلى تفعيل الغضب في صور إيجابية..

2.   هناك جهد مبذول في حصر وتصوير البضائع، هذا شيء طيب وجميل وحماسة مشرفة، وهذه لا بد أن تحمد لأهلها، ومن يتحرك لهذا الأمر له من الله عزّ وجلّ جزيل الأجر إن شاء الله.. (ولا تنسوا أبدًا – بالمناسبة - مقاطعة البضائع الأمريكية واليهودية؛ فهذا من باب أولى.. لأن الجريدة الدانماركية نشرت أمرًا عابرًا في يوم من الأيام، واعتذرت مؤخرًا للمسلمين على صفحتها الرئيسية، لكن هناك دولاً أخرى تحتل بلادًا إسلامية بالكامل: فلسطين محتلة، والعراق محتلة، وأفغانستان محتلة، وكشمير محتلة… وهناك تعدٍّ صارخ على حقوق المسلمين.. فلا بد من باب أولى أن نعيد إحياء هذه القضايا التي لم تمت بعد, ونعيش حالة الجدية.. لا داعي لمشروب كذا ولا أكلة كذا أو كذا… نحن نستطيع أن نحيا بدونهم!!!).

3.   من المواقف الرائعة أولئك التجار المسلمون الذين رَدّوا باخرة دانماركية محملة بالبضائع من ميناء جدة، هذا شيء طيب جدًا، أن تُرد مثل هذه الباخرة الضخمة بما عليها من بضائع.. والمسلمون الذين أعادوا بضاعة قد اشتروها منهم، بالتأكيد ستصيبهم خسارة مادية، لكنها في سبيل الله وفي سبيل نصرة رسوله والذود عنه.. تهون الخسارة بل تهون الحياة، ويعوضهم ربنا الذي بيده مقاليد السموات والأرض والذي يرزق من غير حساب؛ فمن المستحيل أن تقف مع الله ويتركك رب العالمين سبحانه وتعالى.

4.    هناك أيضًا مواقف مشرفة على مستوى الحكومات: قامت السعودية بسحب سفيرها من الدانمارك، وطردت السفير الدانماركي من السعودية، موقف مشرف، علينا أن نرفعه ونُعليه ونؤيده, ونطالب به في بلادنا؛ حتى يعلم القوم أن لدينا مشكلة حقيقية، ليست مشكلة عابرة، ليس صاحبي الذي شتم أو أُوذي، بل هذا رسولي صلى الله عليه وسلم، حبيبي صلى الله عليه وسلم، شفيعي صلى الله عليه وسلم، ليس أي إنسان. هذه مواقف مشرفة لا بد أن تظهر للناس.  

·       تاسعًا: نريد أن نتعلم أن نقول: لا.. وإذا رأينا منكرًا نهينا عنه، أو معروفًا متروكًا أمرنا به؛ لكي نخرج أنفسنا من دائرة القهر التي عاش المسلمون بها كثيرًا في الآونة الأخيرة.

    ولا تخف؛ فالرزق مكفول، والأجل معلوم… مهما قلت كلمة حق عند سلطان جائر فلن يصيبك إلا ما كتب الله عزّ وجلّ عليك.. هذا أمر معروف ويقينيٌّ عند كل المسلمين، إذن لا بد من تَعلّم قَوْل كلمة الحق، وأن نجاهر بحقوق المسلمين ونطالب بها مرات ومرات…، وعندما ينتشر هذا الأمر سترضخ الحكومات للحق شاءت أم أبت.

·   عاشرًا: كل ما سبق لا يمنع أن نرسل الرسائل بالبريد الإلكتروني أو الفاكس، وستجد على الإنترنت أرقام وزارة الخارجية الدانماركية، وأرقام الفاكسات للسفارة الدانماركية في مصر وجميع بلدان العالم، وعناوينهم الإلكترونية، والبريد الإلكتروني للجريدة وأرقام الفاكسات، فعلى كل واحد منا أن يجتهد.. والله ولي توفيقنا ونصرنا.  

 

كلمات.. قبل الختام

 

       تعرفنا فيما سبق على  بعض الأدوار المطلوبة منا تجاه حالة الوهن التي تمر بها أمتنا والتي كان من نتائجها ما وقع من الصحف الأوروبية في حق حبيبنا صلى الله عليه وسلم..

       ولكن.. إياكم أن ننشغل بالأدوار اللحظية عن أدوارنا الهامة والدائمة في إصلاح الأمة، ورفع مكانتها إلى الدرجة التي يرهبها فيها أهل الأرض جميعًا، مطلوب منا أن نقف وقفة نقدمها لربنا سبحانه وتعالى يوم القيامة، وأن يكتب في ميزان كل منا أنه لما حصل هذا الأمر في الدنمارك والنرويج قام، ونشط، وأصلح من حاله ومن علمه ومن أخلاقه، وعدنا جميعًا إلى ربنا عودة كاملة، وتركنا المعاصي، وأصلح كل                   منا من شارعه الذي يحيا فيه، ومن المصلحة التي يعمل بها، ومن البلد الذي يحيا فيه، ووحدنا بين المسلمين، وعرّفنا الناس الإسلام…. نسأل الله أن يتقبل من المسلمين أجمعين.   

وأخيرًا..

 

        أختم بما قدم الله عزّ وجلّ به آيات الهجرة.. قلنا إن ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم :[إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ] {التوبة:40}. لا يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم لنَصْرنا.. فقد نَصَره الله عزّ وجلّ.. وإنما نحن الذين نستفيد.. هذه الآية قدم لها بقوله سبحانه وتعالى والكلام لنا جميعًا: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ] {التوبة:38}. وكما قلنا.. فالمرض الرئيس حب الدنيا وكراهية الموت، ثم يحذر رب العالمين سبحانه وتعالى تحذيرًا خطيرًا: [إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] هذا في الدنيا والآخرة: في الدنيا نراه على صفحات الجرائد، ونراه في بيوتنا في وسائل إعلامنا، ونراه في إخواننا وأخواتنا، وفي كل ما نراه في العالم الآن من استخفاف بالمسلمين.. ثم يقول:[... وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ, وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا, وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {التوبة:39}. ثم يأتي بعدها قوله: [إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ...]

       الكلام لنا أجمعين وإلى يوم القيامة، إذا تخلت أمة الإسلام عن هذا الدين أتى الله عزّ وجلّ بقوم آخرين، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {المائدة:54} .

        أسأل الله عز وجل أن يُعزَّ الإسلام والمسلمين.. وأن يرفع رايات المؤمنين.. وأن يربط على قلوب الموحدين.. وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه.. وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ.. وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ.. إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ..  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


إلا تنصروه -  كتاب للدكتور راغب السرجانى 

 

 
Make a Free Website with Yola.